منظور العهد القديم عن العالم الطبيعي



- بحسب منظور العهد القديم كان العالم عبارة عن ثلاث طبقات: السماء من فوق، الأرض، الهاوية من أسفل.

- اعتقد كتاب العهد القديم بأن العالم محاط بالماء، مياه الغمر، المحيط الأولي. فيقول الكاتب في مزمور 104: 6 كسوتها الغمر كثوب .فوق الجبال تقف المياه. لذا فإن عملية الخلق تضمنت على وضع حدود للمياه سواء على سطح الأرض أو في العلالي عن طريق الجلد. فعلى الأرض عمل الله حدودا للمياه ومما أدى لوجود البحار؛ إر 5: 22؛ أيوب 38: 8-10. وكذلك نقرأ في تكوين 1: 6، "وقال الله ليكن جلد في وسط المياه. وليكن فاصلا بين مياه ومياه. 7 فعمل الله الجلد وفصل بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد.وكان كذلك. 8 ودعا الله الجلد سماء.وكان مساء وكان صباح يوما ثانيا 9 وقال الله لتجتمع المياه تحت السماء الى مكان واحد ولتظهر اليابسة.وكان كذلك. 10 ودعا الله اليابسة ارضا.ومجتمع المياه دعاه بحارا.وراى الله ذلك انه حسن." ومثلهم مثل ثقافة الشرق الأدنى القديم والمدونة تكلم كتاب العهد القديم عن البحر على أنه ممثلا للفوضى اللي تهدد الخليقة (أيوب 26: 12؛ مزمور 74؛ دانيآل 7؛ مرقس 4: 35-41؛ رؤيا 13؛ 21: 1).

- اعتقد الكتاب بأن هناك طبقة مادية وجامدة اسمها بالعبري (رقيع) وتم ترجمتها إلى "الجلد." وتقوم هذه الطبقة بحماية الأرض من الغرق بالمياه التي تعلوها. تصور القدماء أن الجلد مثله مثل الطبق العميق المقلوب لذا فإنه يتلامس مع الأرض عند أطرافها؛ وخاصة أنهم اعتقدوا أن الأرض  مستوية ومسطحة (مثل ما نراها نحن بالعين المجردة، دون مساعدة الاقمار الصناعية). ظن القدماء أن للسماء لها نهاية من هنا ونهاية من الناحية الأخرى (تث 4: 32).

- اعتقد الكتاب كذلك ان هناك مخازن فوق "الجلد" للثلج وللمياه (أيوب 38: 22)، وتصور القدماء انه في "الجلد" طاقات تنفتح عندما تمطر او عند نزول الثلج. وهو ما فعله الرب عندما فتح الطاقات هذه حتى ما  تنزل الأمطار الكتيرة وقت الطوفان المذكور في تكوين 6-8. لذا نقرأ في تكوين 6: 11 "في سنة ست مئة من حياة نوح في الشهر الثاني في اليوم السابع عشر من الشهر في ذلك اليوم انفجرت كل ينابيع الغمر العظيم وانفتحت طاقات السماء."

- اعتقد الكتاب ان الأرض مؤسسة على أعمدة (مزمور 75: 4؛ أيوب 9: 6). أنظر مثلا 1 صموئيل 2: 8 حيث يقول النص "يقيم المسكين من التراب.يرفع الفقير من المزبلة للجلوس مع الشرفاء ويملكهم كرسي المجد.لان للرب اعمدة الارض وقد وضع عليها المسكونة." وكذلك يذكر الكاتب في مزمور 104: 5 المؤسس الارض على قواعدها فلا تتزعزع الى الدهر والابد. تكلم بعض الكتاب عن" زوايا الأرض الأربع" وهذا يدلل على إعتقادهم ان الأرض مسطحة ومستوية (انظر حزقيال 7: 2 حيث يذكر النص "وانت يا ابن ادم فهكذا قال السيد الرب لارض اسرائيل.نهاية.قد جاءت النهاية على زوايا الارض الاربع؛" قارن مع رؤيا 7: 1). تعبير "الجالس على كرة الأرض" في إشعياء 40: 22 ليس مقصودا به ان الأرض كروية. فالكلمة العبرية (حوج) والمترجمة "كرة" هنا تم ترجمتها دائرة في العديد من الترجمات. وفان دايك البستاني ترجم نفس الكلمة بطرق مختلفة في نصوص كتابية أخرى؛ فتم ترجمة الكلمة العبرية (حوج) إلى "حد" في أيوب 26: 10، "دائرة" في أيوب 22: 14 وفي أمثال 8: 27. لاحظ ان النص يقول "الجالس على كرة الأرض،" وفي سفر إشعياء 66: 1 يقول النص ان السموات هي كرسي الله والأرض موطئ قدميه، بمعنى ان الله جالس في السماء. أعتقد أن "كرة/دائرة الأرض" تعتبر إشارة للسما التي تعلو الأرض، لذا وصف النص في اشعياء 40: 22، البشر على انهم حشرات، للدلالة على صغر حجمهم، لان الله ساكن عالى فوق بعيد عن الأرض. لاحظ كذلك مثلما ذكرت سابقا ان السما بالنسبة للكتاب القدماء كانت لهم مثل الطبق المقلوب (نص دايرة). وفي باقي الآيات المذكورة أعلاه والتي تستخدم الكلمة العبرية (حوج) "دائرة" عادة ما تربط هذه الكلمة بالسما. فعلى ما يبدو، الساكن على كرة الأرض من الأفضل فهمها على إنها إشارة للجلد/السما حيث يسكن الله (أنظر حزقيال 1: 26).

- اعتقد كتاب العهد القديم ان الهاوية تقع تحت الأرض، لذا استخدموا تعبير "نزل" للهاوية (العدد 16: 30؛ أيوب 7: 9). وارتبطت الهاوية بالمياه الأولية أيضا (يونان 2: 3-6؛ مزمور 88: 7-8). وكان لها بوابات (اش 38: 10). وتكلموا عنها على انها مكان مظلم (أيوب 17: 16). وتم تصويرها على انها حفرة عميقة (إش 14: 15؛ حز 31: 14؛ مز 30: 3) ، كان لهذه الحفرة مركزا وهوامش (حزقيال 32: 17-32). وفي بعض الأحيان تقول بعض النصوص ان من يذهب للهاوية لا يعرف أي شئ (جامعة 9: 4-6) وتقول نصوص أخرى عن أن الموتى يفهمون ويغيروا أفكارهم (حزقيال 32: 31-32). وفي أحيان أخرى شخصت النصوص الهاوية، فكان لها شهية (اشعياء 5: 14)، وتم الكلام عنها بصورة رمزية على أساس انها تبتلع (أمثال 1: 12).

- بالنسبة للشمس فكتاب العهد القديم تكلموا عن ظهور الشمس وغروبها بلغة توحي ان حركة الشمس هي التي تتحكم في النهار والليل (الجامعة 1: 5)؛ فالشمس هي اللي تظهر وتغيب، والغياب هنا في الغالب معناه نزولها داخل الأرض (وكان هذا أيضا اعتقاد القدماء المصريين)؛ وذكرت بعض النصوص ان الشمس تختفي وتخرج من الخيمة (مزمور 19: 5-7) والخيمة هذه هي السما (إشعياء 40: 22). بمعنى ان المنظور العلمي للكتاب هو ان حركة الشمس هي اللي تتحكم في الليل والنهار، وليس حركة الأرض حول نفسها مثلما يقول العلم المعاصر؛ لذا عندما اراد يشوع أن يطيل من اليوم لم يطلب أن تتوقف الأرض من الدوران حول نفسها لكنه طلب من الله ان يقف الشمس والقمر (يش 10: 12).

- معرفة منظور كتاب العهد القديم للعالم الطبيعي المحيط بهم مهم جدا لاكتر من سبب: 1. فهم نصوص كتابية بصورة أفضل؛ 2. فهم الفرق بين منظورنا العلمي ومنظورهم العلمي؛ فمنظورهم العلمي نتج عن معرفتهم بالعالم من خلال الأدوات اللي كانت متاحة لهم؛ ونحن كذلك فإن منظورنا العلمي للعالم مرتبط بالأدوات المتاحة وكون ان العلم يتغير فهذا ليس معناه اننا نلقي بالعلم في الشارع، ولكن معناه اننا نتعلمه ونتابع تغيراته. 3. تفكيك المنظور الأصولي عن الوحي الذي يربط بين قبول شهادة الكتاب المقدس اللاهوتية عن الله الخالق والفادي بصحة الملعلومات العلمية في الكتاب. فصدق الكتاب المقدس كمصدر للإعلان عن الله والمكانة الرئيسية التي يحتلها الكتاب المقدس في الفكر اللاهوتي لا يتوقف على صحة الكتاب المقدس علميا؛ لأسباب عديدة: أ. ان الكتاب المقدس لم يُكتب من أجل أهداف علمية؛ ب. ان الدور البشري واضح وضوح الشمس في كتابة النص الكتابي، حيث استخدم الكتاب لغات بشرية، العبرية والأرامية واليونانية للتعبير عن الفكر اللاهوتي، واللغة هي الوعاء الثقافي، ولم يلغي الله ثقافة الكتاب ولكن استخدمها لتوصيل حق لاهوتي عن علاقته بالخليقة؛ ج. المنظور العلمي الموجود في الكتاب المقدس، ليس وليد الأسلوب الأدبي للكتابة (شعر مثلا) كما يردد البعض، لان هذا المنظور موجود في العديد من الأساليب الأدبية الكتابية وليس الأجزاء الشعرية فقط. 4. رغبتنا في تقديم الفكر اللاهوتي الكتابي للعالم المعاصر يجب أن تبدأ بفهم السياق التاريخي للنص، لذا علينا أن نفهم كيف استخدم هؤلاء الكتاب العلم المتاح لهم للكلام عن الله، ونستخدم هذا الكلام عن الله كخالق، وفادي، ومعتني، وملك على الخليقة ونقوم بربط هذه الحقائق اللاهوتية بالمنظور العلمي المعاصر.

أعرف أن الربط بين المنظور العلمي والشهادة اللاهوتية سيستمر في الدوائر الأصولية وعلى المدى البعيد سيضر هذا التشدد بمكانة الكتاب المقدس كمصدر رئيسي للفكر اللاهوتي عند الكثيرين الذين يسعون لإعمال العقل عند تفسير النص، لإن التفكير العلمي لا يمكن حده او التغلب عليه؛ فالحل اذا هو ان نتوقف من وضع العقدة في المنشار، ونشجع المؤمنين والمؤمنات على إدراك البعد التاريخي للنص الكتابي وبذلك نخطو اولى خطوات الإنصات للشهادة اللاهوتية للنص الكتابي.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مزامير الإنتقام: صلاة المظلوم بحثا عن العدالة الإلهية

العبادة والعدالة الإجتماعية

عن الفكر اللاهوتي كحوار مفتوح: سفر أيوب كمثال