قانونية أسفار العهد القديم




عند الحديث عن "قانونية" أسفار العهد القديم والعهد الجديد يستخدم علماء الكتاب المقدس الكلمة (Canon) والتي تندرج من الكلمة اليونانية (kanōn) "مقياس". وفي الدوائر اليهودية والمسيحية تشير كلمة "قانونية" إلى الأسفار التي تعتبرها جماعات الإيمان هذه مقياسا لعلاقتها بإلهها ومصدرا لفهمها لهويتها ومركزا لعبادتها وطقوسها.

القانونية بحسب التقليد اليهودي الفلسطيني: 


     الاسم
     المحتوى
  زمن مفترض للقانونية

  التوراة

كتب موسى الخمسة:
تكوين، خروج، لاويين، عدد، تثنية.
القرن الخامس و الرابع قبل الميلاد.
الأنبياء
الأنبياء الأولون:
يشوع، قضاة، 1-2 صموئيل، 1-2 ملوك.
الأنبياء المتأخرون: اشعياء، إرميا، حزقيال، و الأنبياء الصغار (هوشع-ملاخي).
القرن الثالث قبل الميلاد.

الكتابات

المزامير، أيوب، أمثال.
المخطوطات الخمسة (راعوث، نشيد الأنشاد، الجامعة، مراثي إرميا، استير) دانيآل، 1-2 أخبارالأيام، عزرا، نحميا.
القرن الأول الميلادي.


يختلف ترتيب الأسفار القانونية بحسب النص الماسوري العبري عن ترتيب الأسفار القانونية بحسب التقليد البروتستانتي؛ ويختلف عدد أسفار القانونية اليهودية الموجودة في النص العبري عن عدد أسفار القانونية اليونانية (الترجمة السبعينية) واللاتينية (الفولجاتا) والإثيوبية. تكتفي القانونية البروتستانتية بالأسفار الموجودة في التقليد العبري، فالقانونية البروتستانتية لا تحتوي على كل الأسفار الموجودة في الترجمية السبعينية، إلا أنها من حيث ترتيب الأسفار فهي تتبع الترتيب الموجود في النص اليوناني للعهد القديم.

تضم الترجمة السبعينية أسفار لا توجد في القانونية العبرية: عزرا الأول و الثاني، طوبيا، يهوديت، حكمة سليمان، يشوع بن سيراخ، صلاة عزريا و ترنيمة الفتية الثلاثة، سوسنا، بيل و التنين، مكابيين الأول و الثاني، صلاة منسى، رسالة إرميا، باروخ، تتمة أستير. قام القديس جيروم بترجمة كل الترجمة السبعينية للاتينية (الفولجاتا)، بما فيها الأسفار السابق ذكرها، وأصبحت هذه الترجمة النسخة القانونية للعهد القديم للكنيسة الكاثوليكية. الكنيسة الأوثوذكسية تتبع القائمة التي ذكرها القديس أثناسيوس في كتاباته. يطلق البروتستانت على الأسفار غير الموجودة في القانونية العبرية لقب الأبوكريفا (معناها خفي، أو غامض)، أما الكنيسة الكاثوليكية فتطلق عليهم "أسفار القانونية الثانية." من المعروف أن العديد من اقتباسات العهد الجديد للعهد القديم اعتمدت على الترجمة السبعينية (النص اليوناني للعهد القديم)؛ وكذلك تم اقتباس بعض النصوص أو تمت الإشارة إلى تقاليد موجودة في أسفار الأبوكريفا أو القانونية الثانية في كتابات العهد الجديد (اقتباسات العهد الجديد للعهد القديم سيكون موضوع مدونة مستقلة).

محطات هامة في تاريخ القانونية:

1. يذكر 2 مل 22-23 أن الملك يوشيا، ملك يهوذا، قد وجد "سفر الشريعة" في الهيكل مما قاد إلى إصلاح ديني. يعتقد العلماء أن هذا السفر هو نسخة مبكرة من سفر التثنية كما نعرفه الآن. بعد حوالي مئتي عام نسمع عن كاهن و كاتب اسمه عزرا يقرأ "سفر الشريعة" في إشارة للتوراة كلها للذين عادوا من السبي كان ذلك في حوالي 400 ق.م. (نح 8). أي أن التوراة نشأت في صورة تقاليد شفهية، تم كتابتها وتحقيقها وتجميعها من تقاليد مختلفة (كما سنذكر لاحقا في مدونة منفصلة) عبر مدة طويلة من الزمن حتى ما وصلت لشكلها النهائي بعد السبي.

2. يعتقد الكثير من علماء العهد القديم أن قانونية الأنبياء قد وصلت إلى شكلها النهائي في القرن الثالث أو ما يقرب من العام 200 قبل الميلاد. فمن الملاحظ أن التقليد اليهودي لا يدرج سفر دانيال وسط الأنبياء، ولكنه يأتي وسط الكتابات (القسم الثالث من القانونية اليهودية). وقد يرجع هذا الترتيب إلى أن سفر دانيال تم كتابته بعد أن تم إغلاق قانونية الأنبياء. وبالفعل فإن الكثير من علماء العهد القديم يؤمنون أن سفر دانيال وصل صورته النهائية في القرن الثاني قبل الميلاد (167 ق.م.). بالإضافة إلى ذلك فإن سفر دانيال لم يتم إدراجه وسط الأنبياء، لأنه يعتبر من ضمن الكتابات الرؤيوية (مثله مثل سفر الرؤيا في العهد الجديد). يذكر يشوع بن سيراخ (الأصحاحات 48-49؛ 180 ق.م.) أسفار الأنبياء والتي تتضمن إشعياء، حزقيال، إرميا والإثنى عشر (أنظر أيضا مخطوطة قمران 4QMMT؛ مكابيين الثاني 2: 13-15)؛ مما يؤكد أنه كانت هناك قائمة معروفه بأسفار الأنبياء. 

3. هل تم تحديد قانونية العهد القديم في مجمع جامنيا في عام 90 م.؟ يظن الكثيرون أن قانونية العهد القديم أخذت شكلاً نهائياً في هذا المجمع. لكن كل ما نعرفه عن هذا المجمع أنه كان يناقش "قداسة" بعض الأسفار (استير، نشيد الأنشاد، الجامعة)، ولم يكن الأمر كما نتصوره نحن، بأنهم جلسوا ليقرروا القانونية الخاصة بهذه الأسفار. فهذه الأسفار كانت مقبولة بالفعل و لكن يوجد عليها بعض الأسئلة، و كل ما حدث في جامنيا هو التأكيد على قدسية هذه الأسفار! 

4. يعتقد الكثير من علماء العهد القديم ان قانونية العهد القديم لم يتم تحديدها من خلال مجمع ولكن من خلال قراءة واستخدام هذه الأسفار في الهيكل للعبادة. بالإضافة إلى أن القانونية أخذت وقتا طويلا للتشكل وعلى الرغم من أنها حدثت عن طريق العبادة والاستخدام إلا أن القانونية بحسب التقليد اليهودي الفلسطيني تم إغلاقها في القرن الأول الميلادي بسبب: 1. ظهور المسيحية، و الكتابات المسيحية. 2. دمار الهيكل في 70 م. مما جعل من أمر القانونية شئ لابد منه بدافع الحفاظ على الهوية الدينية المعتمدة على النص وليس الهيكل؛ فعلى غرار الهيكل فإن النص يسير مع الشعب ويتحرك معهم في شتاتهم.

هل هناك دلالات تفسيرية للقانونية اليهودية؟

1. المثال الأول يتعلق بكون التوراة هي الجزء الأول من القانونية اليهودية. فالموضوع الرئيسي في التوراة هو الوعد الإلهي بأرض الميعاد، لكن سفر التثنية وهو السفر الأخير في التوراة ينتهي بالشعب خارج أرض الميعاد. لماذا لم تضع القانونية اليهودية سفر يشوع مع التوراة؟ ربما تكمن الإجابة في أن قانونية التوراة تعكس الواقع الذي إختبره الشعب في السبي والعودة من السبي. ربما أراد التقليد اليهودي تحويل مركز العلاقة مع الله من تحقيق الوعد بالأرض إلى حياة الإيمان التي فيها يتوق الإنسان لوطن أفضل، أو بالأحرى أن طاعة التوراة في أي مكان هي مركز العلاقة مع الله وليست الأرض. ربما يعكس الوجود في البرية الخبرة الروحية الإنسانية؛ فهي مرحلة وسيطة بين الحرية من العبودية (الماضي) وبين دخول الأرض (المستقبل).

 2. المثال الثاني هو أن سفر راعوث في القانونية اليهودية يقع بعد سفر الأمثال. في القانونية اليونانية يقع السفر بعد سفر القضاة لان القصة حدثت في فترة القضاة. هناك دلالة رائعة لوضع سفر راعوث بعد سفر الأمثال في القانونية اليهودية. ففي أمثال 31: 10، 29 يتكلم النص عن المرأة "الفاضلة" (ح ي ل، في العبرية) ثم يذكر النص العديد من الأوصاف التي تتسم بها هذه المرأة. الترجمة الأفضل للكلمة العبرية (ح ي ل) هي "قوة" (إمرأة قوية من يجدها). نفس الكلمة تم استخدامها في سفر راعوث لوصف راعوث في 3: 11 "لان جميع ابواب شعبي تعلم انك إمرأة فاضلة." من الملاحظ أن فان-دايك البستاني ترجموا نفس الكلمة (ح ي ل) إلى "بأس" عندما وصفت بوعز "الرجل" (2: 1؛ 4: 11). قد يكون المقصود من وضع سفر راعوث بعد سفر الأمثال هو تقديم نموذج للمرأة ذات البأس والقدرة.

3. لاحظ كيف ينتهي السفر الأخير في كل من القانونية العبرية والقانونية اليونانية. بينما ينتهي سفر أخبار الأيام، وهو السفر الأخير في القانونية اليهودية، بالحديث عن عمل الله في التاريخ لإنقاذ شعبه من السبي وإرجاعهم إلى أرضهم تحقيقا لنبوءة النبي إرميا (2 أخ 36: 22-23)، نجد أن القانونية اليونانية والتي تتبعها الطوائف المسيحية تنتهي بنبوءة وتوقع مستقبلي بمجئ إيليا النبي، والذي يقدمه العهد الجديد على أنه يوحنا المعمدان الذي يمهد الطريق قبل مجئ يوم الرب.القانونية اليهودية تنظر للماضي، بينما تنظر القانونية المسيحية للمستقبل حيث يستكمل الله عمله في التاريخ وإعلانه عن ذاته في المسيح يسوع. 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مزامير الإنتقام: صلاة المظلوم بحثا عن العدالة الإلهية

العبادة والعدالة الإجتماعية

عن الفكر اللاهوتي كحوار مفتوح: سفر أيوب كمثال