قضية كتابة التوراة-1


يشعر العديد من قراء التوراة بالحيرة عند قراءتهم للأسفار الخمسة الأولى لإنهم يجدون تكررا في الكلام عن نفس الأحداث والمواضيع؟ وعند فحص النصوص بدقة يلاحظون إختلافات في المنظور اللاهوتي أو في الألفاظ المستخدمة للحديث عن نفس الحدث أو الموضوع؟ فيتسائل البعض: لماذا يقوم كاتب التوراة، موسى بحسب التقليدين اليهودي والمسيحي، بتكرار القصص أو المواضيع بتفاصيل مختلفة وبتركيز لاهوتي متفرد من نص آخر؟ التكرار والإختلاف بين نصوص التوراة يشمل الأمثلة التالية. 

 إقرأ النصوص التالية وقارن بينها:

  1. الخليقة: تك 1: 1-2 :4أ  مع  تك 2: 4ب-25.
  2. سلسلة النسب من آدم  : تك 4: 17-26 مع تك 5: 1-28، 30-32.
  3. الطوفان: تك 6: 5-8؛ 7: 1-5، 7، 10، 12، 16ب-20، 22-23؛ 8: 2ب-3أ، 6، 8-12، 13ب، 20-22. مع 6: 9-22؛ 7: 8-9، 11، 13-16أ، 21، 24؛ 8: 1-2أ، 3ب-5، 7، 13أ، 14-19؛ 9: 1-17.
  4. سلسلة النسب من سام: تك 10: 21-31 مع 11: 10-26.
  5. تجوال ابراهيم: تك 12: 1-4أ مع تك 12: 4ب-5.
  6. قصة "أخت/زوجة": تك 12: 10-20 مع تك 20:1-18 مع تك 26: 6-14.
  7. شراكة ابراهيم و لوط: تك 13: 5، 7-11أ، 12ب-14، 13: 6، 11ب-12أ.
  8. العهد الابراهيمي: تك 15 مع تك 17.
  9. هاجر و اسماعيل: تك 16: 1-2، 4-14؛ 16: 3، 15-16؛ 21: 8-19.
  10. نبوءة ميلاد اسحق: تك 17: 16-19 مع 18: 10-14.
  11. تسمية بئر سبع: تك 21: 22-31 مع 26: 15-33.
  12. يعقوب و عيسو و الرحيل إلى الشرق: تك 27: 1-45؛ 28: 10 مع 26: 34-35؛ 27: 46؛ 28: 1-9.
  13. يعقوب في بيت إيل: تك 28: 10، 11أ، 13-16، 19 مع 28: 11ب-12، 17-18، 20-22 مع 35: 9-15.
  14. اسم يعقوب يصبح اسرائيل: تك 32: 25-33 مع 35: 9-10.
  15. يوسف يبتاع إلى مصر: تك 37: 2ب، 3ب، 5-11، 19-20، 23، 25ب-27، 28ب، 31-35؛ 39: 1 مع 37: 3أ، 4، 12-18، 21-22، 24، 25أ، 28أ، 29-30.
  16. الرب يدعو موسى: خر 3: 2-4أ، 5، 7-8 مع 3: 1، 4ب، 6، 9-15 مع 6: 2-12.
  17. موسى و فرعون: خر 5: 1-6: 1؛ 7: 14-18، 20ب، 21أ، 23-29؛ 8: 3ب-11أ، 16-28؛ 9: 1-7، 13-34؛ 10: 1-19، 21-26، 28-29؛ 11: 1-9 مع 7: 10-13، 19-20أ، 22ب؛ 8: 1-3أ، 12-15، 9: 8-12.
  18. البحر الأحمر: خر 13: 21-22؛ 14: 5أ، 6، 9أ، 10ب، 13-14، 19ب، 20ب، 21ب، 24، 27ب، 30-31 مع 14: 1-4، 8، 9ب، 10أ، 10ج، 15-18، 21أ، 21ج، 22-23، 26-27أ، 28-29.
  19. المن و السلوى في البرية: خر 16: 2-3، 6-35أ مع عد 11: 4-34.
  20. ماء من الصخرة في مريبة: خر 17: 2-7 مع عد 20: 2-13.
  21. الظهور الإلهي في سيناء / حوريب: خر 19: 1-2أ؛ 24: 15ب-18أ مع 19: 2ب-9، 16ب-17، 19؛ 20: 18-21 مع 19: 10-16أ، 18، 20-25.
  22. الوصايا العشر: خر 20: 1-17 مع 34: 10-28 مع تث 5: 6-18.
  23. الجواسيس: عد 13: 1-16، 21، 25-26، 32؛ 14: 1أ، 2-3، 5-10، 26-29 مع 13: 17-20، 22-24، 27-31، 33؛ 14: 1ب، 4، 11-25، 39-45.
  24. الخطية في فغور: عد 25: 1-5 مع 25: 6-19.
  25. تعيين يشوع: عد 27: 12-23 مع تث 31: 14-15، 23.
  26. مركزية الذبائح: لا 17 مع تث 12.
  27. الحيوانات المنهي عنها: لا 11 مع تث 14.
بناءا على التكرار والإختلافات الموجودة في التوراة قدم علماء العهد القديم منذ القرن التاسع عشر نظريات عديدة لشرح كيفية وصول التوراة للشكل التي هي عليه. إحدى هذه النظريات معروفة باسم فرضية المصادر وقد طورها العالم الألماني يوليوس فلهوزن Julius Wellhausen الذي إقترح أن التوراة وصلت لصورتها النهائية في فترة ما بعد السبي وهي مكونة من أربعة مصادر ذات طابع لاهوتي مختلف وتأتي هذه المصادر من فترات زمنية متباعدة. ولكل مصدر بداية، الخليقة أو العهد مع شعب اسرائيل، ونهاية، سواء في البرية أو دخول الأرض. فالمصدر اليهوي (J) أتى من المملكة الجنوبية من القرن العاشر قبل الميلاد، والمصدر الإلوهيمي (E) أتى من المملكة الشمالية من القرن التاسع قبل الميلاد، والمصدر التثنوي (D) أتى من القرن السابع وأخيرا المصدر الكهنوتي (P) من فترة ما بعد السبي (Wellhausen, 1883). لا تعتمد فرضية المصادر على التكرار والتناقض فقط بين نصوص التوراة ولكنها تعتمد أيضا على وجود سمات أدبية ولاهوتية ولغوية لكل مصدر. سنتعرض لهذه التفاصيل في تدوينات مستقبلية. لكن دعنا ننظر لبعض الأسئلة الموجودة في التوراة وتصنيفها من قبل فرضية المصادر. 

  1. ترتيب الخليقة: في (P) "نبات"، "حيوان"، "الرجل و المرأة" في تك 1: 1-2 :3، أما في (J) "الرجل"، "نباتات"، "الحيوان"، ثم "المرأة" في تك 2: 4ب-25.
  2. عدد الحيوانات التي أخذت على الفلك: في (P) تك 6: 19؛ 7: 8، 9، 15 زوجين من الطاهر و مثلهما من النجس، أما في (J) تك 7: 2، 3 سبعة أزواج من الطاهر و زوج واحد فقط من النجس.
  3. الحد الأقصى لعمر الإنسان: 120 سنة في (J) تك 6: 3، في حين أنه يوجد العديد من الناس الذين عاشوا بعد ذلك لأكثر من 120 سنة في (P) في تك9: 29؛ 11: 10-23، 32. موسى هو الوحيد الذي عاش للحد المعين من الله في      المصدر (J) تث 34: 7.
  4. موطن ابراهيم الأصلي: أيهما يعتبر الموطن الأصلي لابراهيم، أور أم حاران؟ تك 11: 31؛ 12: 1؛ 24: 4؛ 15: 7.
  5. مكان ميلاد بنيامين: بيت لحم؟ تك35: 16-19 (E) أم سهل أرام؟ تك 35: 23-26 (P). 
  6. بيع يوسف: المديانيون أم الإسماعيليون تك 37: 18-30؛ 39: 1.
  7. حمو موسى: خر 3: 1، 18؛ 18: 1-27 (E) ، خر 2: 16-18؛ عد 10: 29 (P).     
  8. اسم الإله: في خر 6: 3 (P) يخبر الله موسى بأن الاسم "يهوه" لم يكن معروفاً للأباء قبل موسى؛ في حين أن نصوص أخرى تعلن أن الأباء كانوا يعرفون هذا الأسم الإلهي (تك 4: 26؛ 18: 14؛ 24: 3؛ 26: 22؛ 27: 20، 27؛ 28: 16) (J).
  9. بناء و موقع خيمة الإجتماع: في خر 33: 7-11 موسى ينقل خيمة الإجتماع خارج المحلة (E)، في حين أن الخيمة تأسست بعد خر 36 (P). الخيمة نصبت داخل المحلة في سفر العدد 2 (P)، لكنها في خارج المحلة في سفر العدد 12: 4-15 (E). 
  10. الوصايا العشر: عندما يثني موسى الوصايا العشر في سفر التثنية، فإننا نجد بعض الإختلافات في صياغة الوصايا عن تلك التي نجدها في سفر الخروج 20 (لاحظ خاصةً السبب الذي لأجله يعطي الله وصية حفظ السبت خر 20: 11 (P) ذلك السبب يختلف عن المذكور في تث 5: 15 (D). قارن هاتين الصياغتين مع الثالثة التي جاءت في خر 34: 14-26 (J).
  11. في سفر العدد 11 (E) نجد أن الشعب قد سئم أكل المن، و لذا يطعمهم الله السلوى؛ ولكن في خر 16 (P) نجد أن الشعب كان يحصل على المن و السلوى معاً من البداية.
  12. الجاسوس الذي يقف بإيمان ضد احباط الشعب: كالب وحده عدد 13: 30، 14: 24 (J)؛ أم كالب و يشوع عدد 14: 6-9، 38 (P).
  13. موقع عماليق: هل في كنعان عدد 14: 25، 45 أم في البرية خر 17: 8-16؟
  14. جماعة قورح: ابتلعتهم الأرض عدد 16: 31-33 (J)، أكلتهم النار 16: 35(P).
  15. النساء اللواتي أغوت رجال اسرائيل في فغور: موآبيات عدد 25: 1 (J)، ميديانيات عدد 25: 6؛ 31: 1-16 (P).
العلماء الذين يتبنون طريقة التفكير هذه لشرح طبيعة التوراة يعلمون جيدا أن فرضيتهم لا تشرح كل القضايا المتعلقة بالتكرار أو التخالف الموجود في التوراة لذا يستمر هؤلاء العلماء في تقديم محاولات متجددة لشرح طبيعة التوراة وتاريخ تشكلها (Gertz, 2012). ففي العقود الأخيرة شكك بعض العلماء في وجود المصدرين الإلوهيمي واليهوي؛ ويعتقد هؤلاء العلماء أن تقاليد الأباء في التكوين تشكلت بصورة مستقلة عن تقاليد الخروج ودخول الأرض وأن المحرر الكهنوتي هو الذي قام بهذا الربط (Schmid, 2010). ويمكننا القول أن الدوائر الأكاديمية التي تتبنى الرأي أن التوراة تشكلت من تقاليد مختلفة عبر وقت طويل ينقسمون إلى فريقين: فريق يؤيد نظرة المصادر كما قدمها فلهوزن (Baden, 2012)، وفريق آخر يتكلم عن تقاليد كهنوتية واضحة لها سمات لغوية وإهتمامات لاهوتية واضحة وتقاليد غير كهنوتية متعددة السمات والإهتمامات اللاهوتية؛ ولا تمثل  هذه التقاليد مصادر ذات بداية ونهاية كما تفترض نظرية المصادر ولكنها قصص مستقلة تم تجميعها من قبل محررين على مراحل مختلفة (Gertz, 2012). وتزيد هذه المدرسة الأمور تعقيدا أكثر فأكثر عندما تقوم بربط تاريخ تجميع التوراة بالأسفار المعروفة في التقليد اليهودي بالأنبياء المبكرين والمعروفين في الدوائر العلمية باسم التاريخ التثنوي (يشوع-قضاة-صموئيل-ملوك). في تدوينات مستقبلية سنقوم بشرح هذه النظرية. إن إختلاف النظريات داخل الدوائر العلمية حول عملية تجميع التوراة لا يعني أن هؤلاء العلماء سيرجعون للتقليد القائل بأنه هناك كاتب واحد للتوراة؛ بل يرجع التنوع هذا إلى طبيعة البحث العلمي الذي ينتقد نفسه ويطور من نفسه ولا يدعي إمتلاك حلولا لكل المشاكل المتعلقة بالنص. ومن الجدير بالذكر إن عملية تحليل النصوص بهذه الطريقة لا يتوقف على الكتاب المقدس ولكن يتم تطبيق مثل هذه المناهج النقدية على جميع النصوص القديمة. 


References 
Baden, Joel S. The Composition of the Pentateuch: Renewing the Documentary Hypothesis. The Anchor Yale Bible Reference Library. New Haven: Yale University Press, 2012.
Friedman, R. E. "Torah (Pentateuch)," in D. N. Freedman (Ed.), The Anchor Yale Bible Dictionary (Vol. 6; New York: Doubleday, 1992).
Gertz, Jan Christian. T & T Clark Handbook of the Old Testament: An Introduction to the Literature, Religion and History of the Old Testament. London, England: T & T Clark, 2012.
Schmid, Konrad, and James Nogalski. Genesis and the Moses Story : Israel's Dual Origins in the Hebrew Bible. Siphrut : Literature and Theology of the Hebrew Scriptures, 3. Winona Lake, Ind.: Eisenbrauns, 2010.
Schmidt, Werner H. Old Testament Introduction. 2nd Ed.  Matthew J. O’Connell, Trans. (New York: Walter De Gruyter, 1995).
WELLHAUSEN, Julius. Prolegomena Zur Geschichte Israels. (Berlin: De Gruyter, 1886). Wellhausen, Julius. Prolegomena. Memphis, TNU: General Books, 2010.



تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مزامير الإنتقام: صلاة المظلوم بحثا عن العدالة الإلهية

العبادة والعدالة الإجتماعية

عن الفكر اللاهوتي كحوار مفتوح: سفر أيوب كمثال