مزامير الإنتقام: صلاة المظلوم بحثا عن العدالة الإلهية




فيه نوع من المزامير اسمه مزامير الإنتقام. عادة مش بنعرف نعمل بيهم ايه وخاصة في ظل مركزية تعليم المسيح عن محبة الأعداء وعن إن طريق تلاميذ المسيح هو اللاعنف. لكن في كتير من الخبرات، زي قتل الأبرياء في مكان عبادة، أو الإعتداء على أقلية بتحاول تتعبد لله في بيت لإن القرية مفيهاش كنيسة، الظروف اللي زي كده ممكن تخلق مكان للمزامير دي في صلواتنا وممارساتنا الروحية. مزامير الإنتقام ببساطة هي صرخات من انسان برئ إلى الله حتى ما ينتقم له أو لها من اللي اعتدوا عليه أو عليها. هي مزاميز تسعى إلى العدل الإلهي. السبب ورا تهميش المزامير دي في حياتنا الروحية وفكرنا اللاهوتي هي إنها بتستخدم كلمات مليانة بالعنف. فبالنسبة للكتير من المسيحيين هي بتتناقض مع أخلاقيات الملكوت اللي  فيها المسيح بيدعو أتباعه لمحبة العدو والغفران للمعتدي. الغرض من الكلام هنا مش نفي أهمية بل أولوية تقديم الغفران والمحبة. لكن لازم نقر ونعترف ان الخبرات الصعبة بتذكرنا بإن زي ما فيه مكان للمحبة فهناك إحتياج للعدل. فيه إحتياج إن المستضعف والمجروح والمهمش يلاقي مساحة حقيقية للتعبير عن مشاعر الغضب والألم. مزامير الإنتقام بتخلق المساحة دي. ممكن نبص مع بعض على مزمور ١٠٩ كنموذج. 
١. مزامير الإنتقام مليانة بالعنف، زي الواقع اللي بنعيشه كل يوم: فيه كذب وخداع (١٠٩: ١)، عنف وقتال (١٠٩: ٣)؛ خبرات كاتب المزمور اللي مليانة خيانة وخداع وكذب وعنف قادته انه يدعي على الأعداء بدعوات صعبة جدا عادة مش بنقدر نذكرها في صلواتنا؛ فالكاتب بيطلب من ربنا: انه يكشف شرهم ويوقف مشتكي ضدهم في المحكمة ولو اتحاكموا يطلعوا مذنبين (١٠٩: ٦-٧)؛ بيصلي كاتب المزمور ان عيال العدو يتيتموا، وزوجاتهم يبقوا أرامل، ويشحتوا، ويعانوا من النهب، وان ربنا يقضي عليهم من على وجه الأرض إلخ (١٠٩: ٧-١٩). الطلبات بتبين مدى عمق الألم اللي مر بيه كاتب المزمور وبتوضح صعوبة التخريب اللي قام بيه العدو. اللي يخلي كاتب المزمور يطلب من ربنا طلبات بالقسوة دي هو انه مجروح نفسيا وجسديا، وفي امس الحاجة للإحساس بإن فيه نظام عادل على الأرض. في مزمور ١٠٩: ١٢ النص بيقول "لا يكن له باسط رحمة ولا يكن متراف على يتاماه" دي نموذج طلبه صعبة بيقدمها كاتب المزمور في ألامه وغضبه لله. السبب اللي ورا صلاة زي دي بيوضحه الكاتب في آيه ١٦ لما بيقول "من اجل انه لم يذكر ان يصنع رحمة بل طرد انسانا مسكينا وفقيرا والمنسحق القلب ليميته." العدو مفتكرش انه يتعامل مع المحيطين بيه "بالرحمة" وطرد البشر المستضعفين والمكسورين والمهمشين في المجتمع، فكاتب المزمور بيطلب ان العدو يشوف من نفس الفعل اللي أذى بيه المحيطين بيه. كلمة "رحمة" دي هي الكلمة العبرية (ح س د) واللي ممكن نترجمها بالعربي لكلمة "الشهامة" إظهار المحبة والإخلاص لحد محتاجهم. أحد المفسرين سمى ال (ح س د) دي بالغرا او اللزق اللي بيضمن تماسك وسلامة المجتمع. هل دي دعوة للإنتقام؟ 
٢. كاتب المزمور مقررش يمارس العدالة بنفسه. لكنه بيطلب من الله انه يقوم بدوره كإله عادل. فبيكلم الله ويقوله "لا تسكت" "اما انت يا رب السيد فاصنع" "اعني يا رب الهي وخلصني حسب رحمتك." دي نفس الكلمة (ح س د) اللي استخدمها الكاتب لما اتكلم عن اللي عمله العدو معاه "مفتكرش يتعامل بأمانة أو إخلاص" (١٠٩: ١٦)، فالكاتب بيتوقع ان الله يكون مختلف عن العدو: ان الله يجيب حق الفقير والمسكين، بيتوقع ان الله يكون "شهم" بيقدم المساعدة للي بيحتاجها في الوقت المناسب. الكاتب بيسلم لله خبرته الصعبه وآلامه وجروحه: "لانه يقوم عن يمين المسكين" فبينما يقف المشتكي على يمين العدو، يتوقع كاتب المزمور أن يقف الله على يمين الضعيف (١٠٩: ٦، ٣١). "هذه أجرة مبغضي من عند الرب" تأتي هذه العبارة في نهاية صلوات الإنتقام التي قدمها الكاتب أمام الله، فالكاتب يدرك أن العدالة يجب أن تأتي من عند الله ولا يجب أن يقوم الكاتب بالإنتقام لنفسه بيده. الكلام دي بيتأكد لما نبص لإزاي الكاتب وصف توجهاته ناحية العدو: "قاتلوني بلا سبب، بدل محبتي يخاصمونني" وبدلا من مواجهة العنف بعنف فالكاتب بيقول "أما أنا فصلاة." وبيكمل كمان الكاتب ويتكلم عن التناقض بين العدو والله لما بيقول "هم يلعنون وما انت فتبارك." كلمات الصلوات اللي زي دي مش رد الفعل الأول اللي قدمه الكاتب، واضح ان الكاتب وصل لطريق مسدود مع العدو. النقطة التانية إن الصلوات دي مش طالعة من ناس عندهم قوة اقتصادية وسياسية وعسكرية، لكنها طالعة من افراد أو جماعات اتهمشت في مجتمعاتها أو على مستوى العلاقات اللي بتدخل فيه، فنلاحظ مثلا تكرار كلام الكاتب عن المسكين، حتى في وصف نفسه لما بيقول: "فإني فقير ومسكين وقلبي مجروح في داخلي."
٣. لازم نخلق مساحة حقيقية في العبادة نصرخ فيها لله بمشاعرنا الحقيقية اللي احيانا كتير بتبقى مليانة بالغضب والجروج والخوف. تسليم العدالة لله هو جزء من تبني توجه اللاعنف تجاه الاخر، لكن مزامير الإنتقام بتدينا فرصة اننا ما ندفنش مشاعر الحزن والغضب. لما نصلي صلوات زي دي فلازم نفتكر كلمات كاتب المزمور لما قال لله: "وصلاته فلتكن خطية" (١٠٩: ٧)، الكلام ده معناه ان الفرق بين صلاة مزمور زي ده وبين عمل إرهابي بيكمن في إن الكاتب بيبحث عن الإتساق قدام ربنا؛ فكاتب المزمور مختلف عن الإرهابي لان الإرهابي أخد الموضوع على عاتقه لما راح قتل ناس وبعدها راح يصلي، زيه زي العدو اللي في المزمور ده، اللي الكاتب عايز صلاته تكون محسوبه كخطية، شئ مرفوض. كاتب المزمور بيصلي وبيترك العدالة لله ومش بيقوم بيها بنفسه؛ لعل ده يكسر دايرة العنف. واحدة من اهم طرق عدم تحويل النصوص دي لدعوة للعنف هي اننا نتعامل معاها كمراية نشوف فيها آلامنا ونمتحن من خلالها مفهومنا عن القوة، هل القوة هي في قدراتنا على الإنتقام أم في تسليمنا لله وثقتنا في عدله، ولا أقصد هنا التخلي عن دورنا السلمي في تحقيق العدالة ، ومش بس بالصلاة، بالصلاة والعمل من خلال طرق تحافظ على آدميتنا وتعكس تقدير لمعنى كوننا بشر مخلوقين على صورة الله.   

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

العبادة والعدالة الإجتماعية

عن الفكر اللاهوتي كحوار مفتوح: سفر أيوب كمثال